قال: (الدليل الثامن: قوله تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ))[البقرة:143]) وجه الاستدلال: أنه تعالى أخبر أنه جعل هذه الأمة عدولاً خياراً، فالوسط: هم العدول الخيار، أي: أنه اختارهم وجعلهم عدولا، فهذه ميزةٌ وتكرمه من الله سبحانه وتعالى أكرم بها هذه الأمة: أن جعلهم شهداء على الناس.
والوسط في اللغة العربية يعني: المختار النفيس، وليس هذا الذي بين طرفين فقط، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أوسطهم نسباً، أي: من أعلاهم نسباً، فالوسط يطلق على الشيء النفيس المختار الثمين، فهم خيار وعدول، وبذلك تمت صفتا الشهادة أن يكون الشاهد مختاراً، وأن يكون عدلاً، فيشهد على الناس بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغهم، ويشهد على الأمم السابقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغهم أن الرسل السابقين بلغوا أممهم، فإذا جاء نوح عليه السلام، أو هود أو صالح، أو شعيب أو غيرهم فقال الله تعالى لهم: من يشهد لكم أنكم بلغت؟ فيقولون: محمد وأمته، فتشهد هذه الأمة أن هؤلاء الأنبياء بلغوا أممهم.
يقول الشيخ: (وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية، وشهادتهم على أهل عصرهم) فما داموا قد شهدوا على الماضيين فكيف لا يشهدون على من رأوه، ومن عاصروه من الأمم! وكذلك يشهدون على من بعدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بكذا، ونهاهم عن كذا، فهذه حجة الله على من خالف رسول الله، وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة، فتشهد هذه الأمة الوسط عليه: بأن حجة الله بالرسل قد قامت عليه، ويشهد كل واحد بانفراده ما وصل إليه من العلم، كما أن الأمة بمجموعها تشهد بما بلغها من العلم، فلو كانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد -كما يقول أولئك- لم يشهد الشاهد، ولم تقم به الحجة على المشهود عليه.